الاثنين، 12 مارس 2012

فى انتظار المحاكمة العسكرية - علاء الاسوانى

فى انتظار المحاكمة العسكرية
إذا كان لديك ابنة فأنت بالقطع تحبها وتخاف عليها ولا تتحمل أى إساءة إليها.. إذا كان لديك ابنة فأنت لن تطيق أن يتحرش أحد بجسدها وأنت بالتأكيد مستعد للدفاع عنها بحياتك إذا تعرضت لاعتداء.. ابنتك جزء منك وأقرب الناس إليك. كيف تشعر إذن إذا اشتركت ابنتك الشابة فى مظاهرة سلمية فقبض عليها الجنود واعتدوا عليها بالضرب المبرح والصعق بالكهرباء مع وابل من الشتائم المقذعة... كيف تشعر إذا تم خلع ملابس ابنتك الشابة بالكامل ووقفت عارية تماما أمام الجنود الذين راحوا يستمتعون بتأمل جسدها العارى.. كيف تشعر عندما تعرف أن السجانة فى السجن الحربى قد قالت لابنتك العارية: «نامى على السرير عشان البيه يكشف عليكى». كيف تحس عندما يرغمون ابنتك على أن تنام وهى عارية تماما حتى يقوم من يزعم أنه طبيب بإجراء كشف العذرية عليها، بينما الأبواب والنوافذ مفتوحة حتى يتفرج عليها الناس.
هذه الجريمة لم يفعلها الجنود الإنجليز فى النساء المصريات خلال عقود من الاحتلال البريطانى ولم يرتكبها الجنود المصريون فى حق الإسرائيليين الذين تم أسرهم أثناء الحرب، لكن هذه الجريمة للأسف ارتكبها مصريون ضد مصريات. فى يوم 9 مارس عام 2011 تم القبض على عشرات المتظاهرين من ميدان التحرير بواسطة الشرطة العسكرية وتم تعذيبهم بوحشية ثم تم إرسال 17 فتاة مصرية إلى السجن الحربى، حيث تم ضربهن وصعقهن بالكهرباء ثم تعريتهن تماما أمام الجنود وإجراء كشوف العذرية عليهن، مما يشكل جريمة هتك عرض مكتملة الأركان وانتهاكاً فاحشاً لأبسط قواعد الإنسانية والقانون والتقاليد العسكرية. هؤلاء الجنود الذين هتكوا أعراض بناتنا وأخواتنا كان يفترض أن يكون واجبهم الحفاظ عليهن وحمايتهن.
إن الهدف الحقيقى من كشوف العذرية هو كسر نفوس المتظاهرات وإذلالهن حتى يفقدن قدرتهن على الاستمرار فى الثورة.. بعد أن تمت الجريمة تم تهديد البنات بواسطة أجهزة الأمن حتى يلزمن الصمت، وللأسف فقد خفن جميعا إلا بنتاً واحدة شجاعة اسمها سميرة إبراهيم قررت أن تفضح المجرمين الذين هتكوا عرضها. وعندما ذاع الخبر وتحولت كشوف العذرية إلى فضيحة كبرى أنكر حدوثها أعضاء المجلس العسكرى فى البداية ثم عادوا واعترفوا بها.
اشتدت التهديدات والضغوط على سميرة إبراهيم، لكنها ازدادت إصراراً على المطالبة بحقها، بل إنها أفلحت فى إقناع ضحية أخرى بأن تحكى ما حدث لها.. المشكلة هنا أن المجلس العسكرى يمتلك أدوات «مبارك» نفسها، وهو يسيطر على جهاز الدولة بالكامل ويوجهه وفقاً لإرادته.. لقد تم نظر قضية كشوف العذرية أمام القضاء العسكرى الذى هو «مع احترامنا لأعضائه» قضاء غير مستقل، لأن القاضى العسكرى ضابط له رتبة وله رؤساء لا يمكن أن نتصور أنه يستطيع مخالفة أوامرهم، ولأن المشير طنطاوى من حقه إلغاء الأحكام أو تخفيفها كما يشاء.
هذا الأسبوع قضت المحكمة العسكرية ببراءة الضابط المتهم بهتك أعراض بنات مصر فى حادثة كشوف العذرية.. إن هذا الحكم يعنى ببساطة أن الظلم مازال متحكماً فى بلادنا.. مازال نظام «مبارك» فى السلطة ومازال القانون يطبق عليك وفقاً لشخصك ومرتبتك الاجتماعية وآرائك السياسية. عندما دخلت سميرة إبراهيم إلى السجن الحربى فوجئت بصورة كبيرة للرئيس المخلوع مبارك معلقة على الحائط. سألت سميرة الضابط: لماذا تحتفظون بصورة «مبارك»؟.. أجابها الضابط بموجة من الشتائم ثم قال:
ــ حسنى مبارك مازال رئيسنا ونحن نحبه.
هنا مربط الفرس. إن المجلس العسكرى ينتمى فعلاً إلى نظام «مبارك» فكراً وقولاً، وقد سعى جاهداً، خلال عام كامل، حتى يحول الثورة إلى انقلاب. الثورة اعتبرت تنحية «مبارك» الخطوة الأولى نحو إسقاط نظامه وبناء نظام جديد، لكن المجلس العسكرى اعتبر تنحية «مبارك» خطوة لا مفر منها من أجل الحفاظ على نظامه.. المجلس العسكرى مسؤول عن كل الأزمات المصطنعة التى تم الضغط بها على المصريين حتى يكرهوا الثورة ويندموا على القيام بها.. المجلس العسكرى هو المسؤول عن الانفلات الأمنى وارتفاع الأسعار والأزمة الاقتصادية وعن كل المذابح التى تم ارتكابها فى حق المصريين فى ماسبيرو ومحمد محمود ومجلس الوزراء وبورسعيد، وهو المسؤول الأول عن كشوف العذرية وفقء عيون المتظاهرين وقتلهم بالرصاص الحى والغاز ودهسهم بالمدرعات وهتك أعراض بنات مصر وسحلهن فى الشوارع. هذه هى الحقيقة. إن المجلس العسكرى المسؤول الأول عن كل ما يحدث فى مصر.
بيننا وبين المجلس العسكرى دماء شهداء وأعراض بنات مصر. لا يمكن أن نسكت إلا بعد أن يُحاكم كل من قتل المصريين وهتك أعراض النساء، وينال المجرمون جزاءهم العادل. فى كل مرة ننتقد فيها المجلس العسكرى نؤكد أن نقدنا لا علاقة له بالقوات المسلحة كمؤسسة وطنية نفخر بها جميعاً. إن الجيش المصرى ليس ملكاً للمجلس العسكرى وإنما هو ملك للشعب المصرى. المجلس العسكرى يتولى مهام رئيس الجمهورية أثناء الفترة الانتقالية، وبالتالى فهو سلطة سياسية من الطبيعى أن نختلف حول أدائها، ومن حقنا، بل من واجبنا، أن نصوب أخطاءها ونواجهها بآرائنا مهما تكن قاسية مادمنا نستهدف المصلحة الوطنية.
كل هذا بديهى، لكن المجلس العسكرى تماما مثل قائده الأعلى المخلوع حسنى مبارك لا يطيق النقد ويضيق بمن يقول الحق ويستمع إلى الطبالين والزمارين، ويعتبر كل من يعارضه محرضاً على كراهية الجيش.. المجلس العسكرى تماما مثل «مبارك» لا يقبل الا بالسلطة المطلقة، ويريد أن يكون دائماً فوق المساءلة والنقد.. العدالة فى عرف المجلس العسكرى أن يُقتل المصريون بالرصاص وتُفقأ عيونهم وتهتك أعراض المصريات ويسحلن فى الشوارع فلا ننطق بكلمة اعتراض.
إذا قلنا إن المجلس العسكرى مسؤول سياسياً عن كل هذه الجرائم يغضب ويعتبرنا مغرضين نستهدف إسقاط الدولة.. منطق «مبارك» نفسه الذى كان يعتبر أى نقد لسياساته تطاولا على مصر كلها، ويعتبر معارضيه قلة مندسة مأجورة.. لقد فعل المجلس العسكرى كل شىء من أجل إجهاض أى تغيير حقيقى فى مصر، وقد أصبح واضحاً الآن أنه يريد أن يسيطر على السلطة حتى ولو لم يتولَّها مباشرة.
فى مصر الآن لدينا مجلس شعب منتخب ورئيس وزراء ووزراء كثيرون، لكنهم جميعا لا يملكون سلطات حقيقية. إنهم فقط يتكلمون ويعقدون الاجتماعات ويلقون بالبيانات، لكننا نعلم جميعا أن المجلس العسكرى وحده هو دائما صاحب القرار النهائى.. استمراراً للسياسة نفسها تم إنشاء لجنة عليا للإشراف على انتخابات الرئاسة ثم تم تحصين كل قراراتها بحيث لا يجوز الطعن أو الاعتراض عليها، وطبقا لبيان أصدرته حملة المرشح الرئاسى عبدالمنعم أبوالفتوح فقد بدأت علامات التزوير فى انتخابات الرئاسة، موظفو الشهر العقارى يحررون التوكيلات لمرشح معين ويتقاعسون عن توكيلات المرشحين الآخرين، وعندما يذهب المواطنون لتحرير محاضر بهذه المخالفات فإن ضابط الشرطة يرفض ويقول لهم اذهبوا إلى اللجنة العليا.. فى الآونة الأخيرة توالت القضايا الملفقة على كل من يعارض سياسات المجلس العسكرى.. آخر هذه القضايا الملفقة كان المتهمون فيها: ممدوح حمزة وأبوالعز الحريرى وزياد العليمى ووائل غنيم ونوارة نجم وأسماء محفوظ وجورج إسحاق وبثينة كامل ويسرى فودة وريم ماجد وسامح نجيب وكاتب هذه السطور.
فى الحقيقة يشرفنى أن أكون مع هذه الأسماء، لأنهم حقاً كوكبة من أنبل وأشرف الشخصيات الوطنية فى مصر.. إن التلفيق فى هذه القضية بالذات تم بطريقة بدائية وساذجة.. لقد تقدم 700 شخص «من المواطنين الشرفاء» ببلاغات إلى النائب العام ضدى وزملائى، وبالطبع وجهوا إلينا التهم التقليدية نفسها التى طالما استعملها حسنى مبارك للتخلص من أصحاب الرأى:
«إثارة البلبلة وتكدير السلم الاجتماعى والتحريض ضد قيادة القوات المسلحة والعمل على إسقاط الدولة وزعزعة الاستقرار... إلخ».
كلها تهم مطاطة وفارغة بلا معنى ولا سند قانونى. لقد أصدر النائب العام بيانا أعلن فيه أنه قد أحال البلاغات المقدمة ضدنا إلى القضاء العسكرى لأنه جهة الاختصاص.. هنا تثور أسئلة كثيرة: هل يجوز قبول بلاغات أشخاص لا علاقة لهم بالواقعة موضوع البلاغ؟!.. هل يمكننى أن أتقدم ببلاغ أتهم فيه شخصاً بالإساءة إلى شخص آخر، بينما أنا لا علاقة لى بالاثنين؟!.. كيف تقدم 700 مواطن مرة واحدة ببلاغات إلى النائب العام؟!.. هل استمعت النيابة إلى أقوال 700 شخص فى بلاغاتهم المقدمة وكم من الوقت استغرقه الاستماع إلى هذا العدد المهول من الناس؟!.. وإذا لم يكن النائب العام قد استمع إليهم فهل يجوز قبول بلاغاتهم دون التحقق من شخصياتهم والاستماع إلى أقوالهم؟
إن النائب العام هنا يرسى قاعدة غريبة مخالفة للقانون تجعل من السهل على أى شخص أن يرسل بلاغه بالبريد فيتم قبوله.. ثم لماذا أحال النائب العام هذه البلاغات بسرعة إلى القضاء العسكرى قبل أن يستمع إلى أقوالنا؟..! لسنا عسكريين فلماذا نُحاكم أمام القضاء العسكرى؟.. أين الشق العسكرى فى هذه القضية العجيبة؟!..